اليوم.. يأتينا الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
.. واليوم.. يمضي في القاهرة 500 دقيقة بالتمام والكمال منذ أن تلمس عجلات طائرته الرئاسية الشهيرة "ايرفورس - 1" أرض مطار القاهرة في التاسعة والنصف صباحاً.. وحتي يغادرنا إلي أوروبا في السادسة إلا عشر دقائق مساء.
.. واليوم.. يلتقي بالرئيس حسني مبارك في جلستي مباحثات ثنائية وموسعة عقب وصوله مباشرة.. في أول لقاء بين الزعيمين منذ وصول أوباما إلي البيت الأبيض في يناير الماضي.
.. واليوم.. يوجه خطابه التاريخي المنتظر أو خطاب المصالحة إلي العالم الإسلامي من فوق منبر جامعة القاهرة.. أقدم جامعاتنا بعد الأزهر الشريف.
.. واليوم.. ينتظر الجميع من أوباما أن يحل فوراً كل مشاكل الدنيا خلال زيارته الخاطفة لعاصمة المعز.
***
أعتقد أنه يجب ألا نكون متفائلين أكثر من اللازم أو نفتح سقف التوقعات والأماني إلي أقصي مدي.. إذ ماذا تفعل 500 دقيقة في أزمات متفجرة. وقضايا متحجرة. ومشاكل تزداد اختناقاً؟
إن أوباما ليس "سوبرمان" الذي يأتي بالخوارق بل يحاول اعتماداً علي مكانة بلاده.. لكن.. يبقي في النهاية حسن نوايا جميع الأطراف وما يقدمونه من أجل حل القضايا.
***
لقد سألت نفسي سؤالاً خيالياً محدداً: لو كنت مكان أوباما وسأوجه خطاباً إلي العالم الإسلامي الذي أساءت إليه أمريكا - بوش أبلغ إساءة.. فماذا أفعل وماذا أقول لأجعل منه خطاب تتويج لي علي عرش قلوب المسلمين؟
رددت علي نفسي بأربعة أمور كلها من نسج خيالي وما أتمناه.. وهي بمثابة مسامير في نعش التعصب الأعمي والكراهية الحمقاء والازدراء المقيت.
* الأول: أن اعانق الإمام الأكبر شيخ الأزهر بحرارة شديدة.. ولا مانع من أن أقبل يده - إكباراً وإجلالاً وليس ذلاً وخضوعاً - أو عمامته.. بالضبط مثلما أقبل يد بابا الفاتيكان.
إن الإمام الأكبر هو رمز للمسلمين جميعاً.. وتقبيل اليد أو الرأس هنا يرسل إشارة ضوئية تنفذ إلي داخل قلوب المسلمين بأن هذا الشاب زعيم أكبر دولة في العالم يحترم الإسلام ورموزه كما يحترم السن.
* الثاني: أبدأ خطابي ب "بسم الله" و"السلام عليكم" وانهيه أيضاً بالسلام عليكم.. تحية الإسلام مما سيكون له مردود حسن جداً لدي كافة المسلمين.
* الثالث: أن اعترف بالأخطاء التي ارتكبت في حق المسلمين بأفغانستان والعراق والصومال وأتعهد بالا تحدث مثلها في المستقبل وعدم الكيل بمكيالين وسوف استل نصف الغضب من النفوس إذا اعتذرت عنها.. وهذه لن تكون بدعة.. فقد حدثت من قبل والعالم الغربي كله اعتذر لليهود ومازال كل طلعة شمس عن الهولوكست.
كما أأسف لما فعله المتطرفون المسلمون من جرائم ضد البشرية.. حيث أساءوا إلي الإسلام أبلغ إساءة.
* الرابع: أن اعترف بحق الدول الإسلامية في الطاقة النووية للأغراض السلمية.. وألا يسيء إلي رموزها كائن من كان.. وبحق الفلسطينيين في أن يعيشوا في دولة ذات حدود آمنة.. مع التعهد بحل أقدم وأصعب قضية في العهد الحديث.. بوابة الاستقرار بالشرق الأوسط.. القضية الفلسطينية.. وألا أساند إسرائيل ظالمة دائماً ومظلومة نادراً وان امتنع عن استخدام حق الفيتو لحمايتها من الغضبة العالمية بسبب المذابح التي ترتكبها ضد الفلسطينيين العزل.
***
رغم هذا السيناريو الذي هو من بنات أفكاري حيث لايعرف أحد كيف سيبدأ خطابه أو ينهيه. ولا فحواه.. فإننا لابد أن نكون واقعيين ومنطقيين مع أنفسنا.
لا أحد يختلف علي أن أوباما رئيس أكبر دولة وأن أمريكا تملك الكثير لإخضاع إسرائيل وجعلها تقبل بحلول هي لصالح كل الأطراف وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل.. إن ارادت ذلك.
وأن أي حل تطرحه أمريكا لا يعني أبداً أنها ضد إسرائيل.. بل إنه ينطلق من العلاقة الوثيقة التي تربط الدولتين.. أو الدولة العظمي وربيبتها.
وأن لقاء أوباما مع مبارك اليوم سوف يكمل الضلع الرابع في صورة قضية القضايا بعد أن التقي الرئيس الأمريكي مع كل من نتنياهو وأبو مازن في واشنطن ومع خادم الحرمين أمس.. وبالتالي ستكون أمامه صورة مكتملة الأركان يستطيع بعدها أن يحدد ما هو مطلوب ولازم.
لكن أيضا لابد أن نعترف بأن أوباما لا يملك عصا موسي يضرب بها طريقاً للسلام وسط بحور الاحتلال والاحقاد والتطرف. ولا يأتي بمعجزات عيسي فيستل الغل والحسد والطمع من نفوس الناس. ولا يقبض علي براق محمد فيطير به فوق المدينة الفاضلة.
أوباما بشر مثلنا.. يريد أن يعم السلام العالم كله..
دعا إسرائيل إلي حل الدولتين ووقف الاستيطان. وطالب الفلسطينيين بوقف العنف. وناشد المعتدلين المساعدة في الحل.. ومع ذلك تبقي الحقيقة التي لايختلف عليها اثنان.. أن الفلسطينيين - كل الفلسطينيين - لابد أن تكون لهم رؤية واحدة ورأي واحد وأن ينبذوا الخلافات ويرتفعوا فوقها ليضعوا إسرائيل في موقف لاتحسد عليه.
***
إن خطاب أوباما سوف يشكل جزءاً مهماً من جهوده لسد الفجوة التي تفصل بين أمريكا والعالم الإسلامي بصفة عامة والعرب بصفة خاصة وزرعت الكراهية في نفوسنا بسبب مواقف أمريكا وسياستها ومن هنا تأتي أهميته.
لكن.. يجب ألا نعلق عليه كل الآمال أو نقفز فوق النتائج أو نتعجل الحلول ونفرط في التوقعات.
الطريق طويل.. وطويل جداً.. ولابد أن نسيره خطوة خطوة.. المهم أن يعلم أوباما بأن خلافاتنا مع أمريكا لا تقوم علي اساس ديني ولكن بسبب سياستها الظالمة المتغطرسة.
إننا نرحب بأوباما علي أرض المحروسة مصر في أول زيارة لأراضينا.. نرحب به في مطار القاهرة. وقصر القبة. وجامع السلطان حسن. وجامعة القاهرة. وفي منطقة الأهرامات الأثرية حيث يزور الهرم الأكبر وأبو الهول ومراكب الشمس.
نرحب به في كل شبر من مصر.. ونتمني أن تكون زيارة ال 500 دقيقة فاتحة خير.. والخطوة الأولي في رحلة الألف ميل.
اللهم آمين.